لا يزال سقوط مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى العراقية، محاطا بالغموض حول الجهة المسؤولة عن هذا الحدث الدراماتيكي والانهيار السريع للقوات العراقية. هذا التقرير يروي بالنص والغرافيكس قصة سقوط الموصل.
برز اسم اللواء مهدي الغراوي قائد العمليات في الموصل في تحقيق أجرته وكالة رويترز كأبرز العالمين بخبايا ملف سقوط المدينة بقبضة داعش.
ورغم أن الغراوي يواجه محاكمة عسكرية بتهمة التقصير، إلا أن الجهة التي أصدرت أمر الانسحاب بعد هجوم داعش على المدينة في حزيران/يونيو لا تزال غير واضحة.
يرفض الغراوي الاتهامات بمحاولة الهروب من المعركة، ويلقي اللوم على واحد من بين ثلاثة أشخاص بإصدار الأوامر النهائية: عبود قنبر نائب رئيس الأركان وقتها، وعلي غيدان قائد للقوات البرية، ورئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي الذي كان يوجه كبار الضباط بنفسه.
في لقاء مع موقع قناة "الحرة" رأى خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية وفيق السامرائي أن المسؤولية مشتركة وجماعية، سواء طالت أطرافا عسكرية أو سياسية، أو المحافظ وقائد العمليات.
قبل أن نسأل "لماذا سقطت الموصل؟ ومن المسؤول؟" نستعرض "كيف سقطت الموصل في الشكل الغرافيكي التالي:
لماذا سقطت الموصل؟
يشير تقرير رويترز إلى أن القيادة السياسية لم تتوقع السقوط واعتبرت أن قوات الجيش المرابطة هناك تستطيع التعامل مع أي موقف، كما أن حكومة المالكي رفضت طلبا للغراوي بإمدادات عسكرية، حتى دخل عناصر التنظيم بالمئات يوم السادس من حزيران/يونيو.
يشير أيضا إلى حقائق صادمة بالنسبة لعتاد وتعداد القوات، فخط الدفاع الأول اللواء السادس بالفرقة الثالثة ضم حوالي 500 مقاتل فقط وكانت تعوزه الأسلحة والذخائر، بسبب نقل مشاة ومدرعات ودبابات إلى الأنبار.
كما أن أعداد الشرطة والجيش لم تزد عن 10 آلاف عنصر، رغم أن الموصل واقعيا كانت تحتاج إلى 25 ألف عنصر. ولم يبق أي دبابات بحسب الغراوي.
في إحدى نقاط الدخول كان عدد الجنود ليلة السادس 40 جنديا فقط، وفي كتيبة 17 تموز لم يبق سوى رشاش واحد.
استولى التنظيم الارهابي يوم السادس على خمس ضواح من ناحية الغرب وهاجم مركز الشرطة في 17 تموز، وبدأ فرار عناصر الشرطة والجيش من الناحية الغربية.
ووصل قنبر وغيدان يوم السابع وتوليا المسؤولية الأمنية، قبل أن يتقدم داعش باتجاه فندق الموصل المهجور، مع استمرار تقهقر القوات. قصف الغراوي مناطق سيطرة داعش وارتفعت المعنويات قبل أن تحل الفوضى. عزل غيدان وقنبر قائدا رفض الأوامر بإرسال قوات للفندق، وهو إجراء وصفه الفريق بابكر زيباري رئيس هيئة الأركان بأنه كان "خطأ كبيرا".
100 عربة وأكثر من 400 مقاتل داعشي، عبروا إلى الموصل عصر يوم الثامن، ووقتها نشطت الخلايا النائمة.وكشف الهجوم على الموصل ضعف الجيش العراقي وهشاشة بنيته العسكرية والاستخبارية.
أمين عام وزارة البيشمركة في إقليم كردستان الفريق جبار ياور صرح وقتها بأن عدم وجود عقيدة قتالية مشتركة بين عناصر الجيش الاتحادي وضعف الإسناد الجوي عاملان أسهما في الانهيار.
وقال السامرائي لموقع قناة الحرة: "أعدادهم لم تكن قليلة كما قدر البعض وقتها، لأن بعد دخول مسلحي داعش، تحول كثير من خلايا الموصل إلى جانبهم وأصبحت أعدادهم بالآلاف".
ومن بين هؤلاء "جيش المجاهدين" السلفي و"جيش رجال الطريقة النقشبندية" بقيادة عزت إبراهيم الدوري الذي كان نائبا لصدام حسين أيام حكم حزب البعث في العراق، و"تنظيم أنصار السنة" الجهادي فضلا عن ضباط سابقين في الجيش العراقي المنحل.
وبحسب تصريح سابق للخبير الأمني في المدينة مجيد النعيمي لـ"راديو سوا"، وصل الأمر إلى تسمية هذه التنظيمات لأسماء مسؤولين محليين، لكن أهالي المحافظة أدركوا بعد ذلك أن داعش هو الجهة المسيطرة.
معركة الانكسار
معركة فندق الموصل، بحسب رويترز، كانت القشة التي قسمت ظهر الجيش العراقي والشرطة في المدينة، بحسب شهادات مسؤولين.
ففي اليوم التاسع، كان العقيد خالد العبيدي ورجاله يرابطون عند الفندق، عندما اتجهت شاحنة صهاريج عسكرية لنقل المياه فأطلقت الشرطة النار وانفجرت، بعدها لم يعد لخط الدفاع الغربي أي وجود.
أصيب العبيدي ونقل لمنطقة آمنة، لكن عناصر الشرطة حرقت معسكراتها وتخلصت من زيها العسكري، فاجتمع محافظ نينوى أثيل النجيفي ومستشاره مع قنبر وغيدان في قيادة العمليات قرب المطار.
جاءت التوصيات بالهجوم بالفرقة الثانية في الناحية الشرقية، رغم أن الغراوي رفض المجازفة بما تبقى من جنود، بحسب شهادته. إلا أن الأوامر صدرت باستخدام 46 رجلا و14 شاحنة بيك أب وعربة همفي، أي معظم ما لدى وحدته الأمنية.
في المساء، أبلغ قنبر وغيدان الغراوي بأنهما سينسحبان إلى الجانب الآخر من النهر.
من أمر بالانسحاب؟
لا توجد رواية رسمية عن طريقة الانسحاب أو من أطلق الأوامر.
تلقي الحكومة العراقية باللوم على الغراوي وأربعة من ضباط الأمن، ووجهت إليهم اتهامات بالتقصير، قد تصل العقوبات فيها إلى الإعدام.
لكن تحقيق رويترز لا يستبعد تحمل مسؤولين عسكريين أرفع من الغراوي جزءاً من المسؤولية على الأقل. وكان غيدان وقنبر أعلى رتبة من الغراوي، وعندما توليا المسؤولية يوم السابع، التقى الغراوي بمستشار محافظ نينوى الذي سأله "لماذا لم تقم بهجوم مضاد؟" فأجاب "لا يوجد ما يكفي من القوات"، وهي الرواية التي أيدها زيباري.
وبحسب الغراوي، فإن انسحاب غيدان وقنبر خلق انطباعا بأن القوات تهجر الميدان.
هرب الجنود إلى شرق المدينة بعد خلق هذا الانطباع، بحسب محافظ نينوى.
في صباح اليوم التالي، اتصل زيباري بالغراوي وحثه على مغادرة مركز قيادة العمليات، خوفا على حياته، فرفض الغراوي وطلب أوامر مباشرة من المالكي.
بعد ذلك واصل الغراوي القتال للوصول عبر جسر إلى الشرق. اتصل بغيدان وأبلغه أنه محاصر من كل الاتجاهات، وبالفعل أشعلت النيران في قافلته شرق النهر، واشتبك مع مقاتلي داعش.
في آب/أغسطس تلقى الغراوي مكالمة هاتفية تفيد بأنه رهن التحقيق لهروبه من الخدمة في الموصل، وفي الوقت ذاته رقى المالكي قنبر وغيدان لكنهما أجبرا على التقاعد بعد رحيله كرئيس للوزراء.
الآن الغراوي يتحمل المسؤولية، حسب تحقيق رويترز.
أما بالنسبة لزيباري فيقول "الغراوي كان ضابطا يؤدي عمله لكن حظه تعثر مثل كثيرين غيره من الضباط. كلنا علينا أن نتحمل بعض المسؤولية. كل واحد منا".
وبالنسبة للسامرائي "لم تصدر أوامر واضحة بالانسحاب، فالموقف تدهور بشكل متسارع وإذا كانت الأوامر قد صدرت فالأكثر ترجيحا أنها كانت بين جهات فرعية".
وأضاف في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن "الأمر يتوقف على إجراءات التحقيق والمحاكمة. حتى الآن لا تحقيقات جدية بالموضوع. ربما لا تزال هناك خيوط أو توجهات للقيام بها لكن لم يصل الأمر إلى التحقيق في المفاصل الأساسية".
التاريخ أسقط الموصل
سقطت الموصل بعد يومين من سقوط بغداد في 11 نيسان/أبريل 2003 بعدها تسلم الفيلق الخامس في الجيش الأميركي القيادة. منذ 2004 بدأت عمليات تفجيرات وأصبحت مركزا للتمرد السني وتنظيم القاعدة ضد الشيعة.
في هذه الفترة اتهمت قوى الأمن بالمسؤولية عن عمليات قتل خارج القانون، واضطهاد السنة، وكان الغراوي على رأس إحدى الفرق العسكرية.
اندحر التمرد بشكل ملحوظ مع المشاركة المكثفة للسنة في الحياة السياسية بين عامي 2009 و2010، ومع انسحاب القوات الأميركية عام 2011 انخفض عدد الخسائر في صفوف المدنيين من أكثر من 31 ألف في 2006 إلى حوالي خمسة آلاف في 2009، ما أشار وقتها إلى أن القاعدة في طريقها للانهيار.
سياسات المالكي
يقول تقرير رويترز: بعد الانسحاب قام المالكي حملة تطهير لقيادات الجيش من السنة والأكراد، وهو ما خلق تمردا جديدة في المحافظات السنية استغله داعش ليكسب تعاطفا محليا.
ويضيف التقرير إن المالكي كان يخشى من "غدر" الأكراد به فبدأ حملة تطهير لفرقتي الجيش الموجودتين في المدينة، كما عين مجموعة من القادة الذين استعدوا السنة، من بينهم الغراوي الذي عين قائدا للعمليات في 2011.
وكان الغراوي قلقا من عودة التمرد السني، وزيادة نفوذ تنظيم القاعدة وقتها، التي قال إنها تنظر إلى الموصل باعتبارها إمارتها.
كان يعاني من نقص القوات وتنامي مشاعر العداء لدى اسنة الذين اتهموه بالتعذيب والقتل، وهي اتهامات يرفضها.
نشط التنظيم المتشدد بقوة في ذات المناطق التي تعرضت لهجمات طائفية، ووجد السكان في التنظيم منقذا ومعادلا لقوات الحكومة، وبديلا لفشل المالكي والحكومة في بناء أجهزة وطنية.
يقول السامرائي "كان هناك شحن طائفي ومناطقي وعنصري غير طبيعي".
يتفق ياور مع ذلك لأن "المشكلات السياسية بين الكتلة السنية وحكومة بغداد منعت القوات من محاربة داعش في الموصل وصلاح الدين وأجزاء من كركوك".
هل رفض المالكي مساعدة الأكراد؟
من بين القضايا التي طرحها تقرير رويترز مسألة تقديم الأكراد العون للمالكي، والتقارير التي خرجت من أكثر من مسؤول بأن المالكي رفض عرضا من مسعود البرزاني إرسال قوات البيشمركة الكردية.
يقول زيباري أن المالكي رفض هذا العرض مرتين. وحاولت الأمم المتحدة ودبلوماسيون أميركيون التوسط في وضع ترتيبات مقبولة للمالكي الذي ظل على ارتيابه في نوايا الأكراد.
وأصر المالكي حينها على أن القوات العراقية تكفي وزيادة.
إرسال تعليق